إذ ينمو الشبل قليلاً يخرج الأسد إلى الغابة أو الصحراء لا ليأتي بفريسة إلى شبله بل ليقتنص غزالاً صغيرًا يأتي به حيًا إلى شبله. يتركه أمام الشبل ليدخل الاثنان في صراع معًا، ويقف الأسد متحفزًا، فإذا رأى الغزال يضرب الشبل ضربة خطيرة يتدخل بضربة قاضية. بهذا الصراع يتعلم الشبل الافتراس، ويعرف كيف يخرج مع والده مرة ومرات حتى إذا ما نضج يتركه يخرج وحده يمارس حياته الناضجة.
هذه هي تكلفة النضوج! لا يُترك الشبل في عرينه يلهو ويمرح على الدوام، بل يدخل في صراع حتى يبلغ إلى النضوج.
وبنفس الفكرة يُعلم النسر صغاره الطيران، إذ يحمل النسر صغيره بمنقاره ويطير به إلى ارتفاع مئات الأقدام في الهواء، وإذ يتركه يبدأ الصغير في السقوط لكن يسرع النسر بالطيران تحت صغيره ليحمله على جناحيه المفرودين ثم يلتقطه بمنقاره، ويكرر الأمر مرة ومرات حتى يتعلم الطيران، عندئذ يتركه النسر يطير بمفرده ليمارس حياته الناضجة.
يمكننا القول بأن اللَّه في أبوته الحانية يريد لنا النضج، فيقول لنا:
"هذا هو طريق حبي ورعايتي المستمرة لك.
إنني أحملك إلى حين لكنني أبسط جناحي تحتك والتقطك حتى لا تنحدر إلى الهاوية.
أريدك أن تتعلم الطيران... ارتفع بك ولا أتركك وحدك!
لا تستكن للطفولة غير الناضجة،
لا تبقى طفلاً على الدوام!"
هذه هي خبرة المرتل القائل: "لا تتركني إلى الغاية (النهاية)"، إذ يشعر أن اللَّه يحمله إلى الأعالي ويتركه لكن إلى لُحيظَة ليحمله من جديد، حتى يتعلم الطيران.
إلهي... كثيرًا ما اشتاق إلى طرق الطفولة غير الناضجة،
أريد أن استريح وألهو على الدوام.
وأنت بأبوتك تدخل بي إلى المعركة ضد إبليس،
أيها الأسد الخارج من سبط يهوذا،
تُريدني ألا أبقى شبلاً صغيرًا بل أسدًا قويًا.
لتحملني إلى الأعالي، علمني بروحك القدوس كيف أطير.
هب لي ألاّ استكين في العش بل أحلق في السماويات.