روى لي أحد الآباء الأساقفة هذه القصة المعاصرة، ذكرها بالأسماء التي ضاعت من ذاكرتي:
في مدينة نجع حمادي اعتاد أحد الشيوخ الأتقياء أن يعبر نهر النيل في فجر كل 12 من الشهر القبطي ليشترك في التسبحة والقداس الإلهي.
إذ كانت الليلة قمرية والجو حار جدًا نام الشيخ في الهواء الطلق. استيقظ في نصف الليل، وكان نور القمر قويًا، فظن أن الفجر قد لاح وأنه قد تأخر عن الذهاب إلى الدير في البر الآخر للاشتراك في التسبحة. أمسك الشيخ بعكازه وتحرك نحو شاطئ النيل، واتجه نحو البرَّ الآخر مشيًا على الأقدام. وإذ اقترب من البر نادى أحد "المراكبية" باسمه، فاستيقظ كثيرون من أصحاب السفن الشراعية والعاملون معهم على صوت هذا الشيخ وكانوا يتطلعون في دهشة إلى الشيخ الواقف على المياه متجهًا نحو البر.
قال الشيخ لأحدهم: "أرجوك أرسل معي ( فلان) الصبي ليذهب معي إلى الدير، لأني خائف من الكلاب". أجابه صاحب السفينة: "كيف تخاف يا عم (فلان) من كلاب الدير وأنت تسير على المياه؟"
تعجب الشيخ مما يسمعه، فصار يضرب بالعكاز على المياه وهو يقول: "أية مياه يا ابني؟ إنها أرض!" هكذا كان الشيخ يرى مياه النيل أرضًا يسير عليها وهو لا يدري وإذ ألحًّ الشيخ في طلب الصبي من صاحب السفينة كي يسير معه حتى الدير خوفًا من كلاب الحراسة التي للدير، قال صاحب السفينة: "ربنا معك يا عم ( فلان)، صلِ من أجلي... لا تخف من الكلاب!" واضطر الشيخ أن يكمل طريقه!
يا للعجب! في تقواه يسير على المياه وهو لا يدري، بينما في ضعفه البشري يخشى نباح الكلاب، الأمر الذي لا يخاف منه صبي صغير.
هكذا أيها الحبيب لكل قديس نقطة ضعف، قد لا يسقط فيها صبي صغير، لكن اللَّه يسمح بها لكي تحفظه من السقوط في الكبرياء، فيصرخ مع المرتل: "خطيتي أمامي في كل حين".
لا تتعثر إن شاهدت بعينيك ضعفات قديسين ولمستها بنفسك، فهذا أمر طبيعي يسمح به اللَّه ليدرك الكل مهما بلغوا من قداسة ضعفهم البشري، وحاجتهم المستمرة لعمل المخلص في حياتهم.
V V V
V إذا كان الصديق بالجهد يخلص،
فأين أظهر أنا الخاطي؟
إن كان للقديسين ضعفات صارخة،
فماذا يكون حالي؟
V هب لي يا رب إذ أرى ضعفات اخوتي،
أصلي لأجلهم ولا أدينهم،
أذكر أن لهم أعمالاً مجيدة مخفية عن عيني،
فأكرمهم ولا استخف بهم.
V هب لي في ضعفي أترقب خلاصك المجيد.
وهب لي في لحظات قوتي بالروح،
أن أمجدك أيها السند الإلهي!
أذكر عملك العجيب بغير كبرياء من جانبي!