كثير من مزامير داود مملوءة بالشكوى، أما هذا المزمور الرائع فمملوء بالتعزيات وبكلمات
الفرح عن الله الراعي الذي يقوده فلا يخ اف
. وهذا المزمور من أروع تأملات داود عن
رعاية الله . والمسيح هو الراعي الصالح (يو ١٠ ) هو يبذل نفسه عن الخراف وفي المزمور
السابق مباشرة (مز ٢٢ ) رأينا كيف يبذل المسيح نفسه عن كنيسته، وهنا نرى الراعي يُدخل
قطيعه إلى مرا ٍ ع خضراء باستحقاقات صليبه، هو تسبحة ثقة في الله وداود كان راعي غنم
وغالبًا قال هذا المزمور وهو يتأمل في علاقته بقطيعه وفي نفس الموقت يتأمل في عناية الله
به في كل مراحل حياته، فوجد أن الله هو الراعي الحقيقي له.
الآيات
( ١،٢ ): "الرب راعي فلا يعوزني شئ . في مراٍ ع خضر يربضني . إلى مياه الراحة
يوردني
."
هنا نرى الرب الراعي
. ونلاحظ أن الراعي يلتصق اليوم كله برعيته ويعيش معها، يقوتها
ويغذيها ويقودها ويحميها . فحينما نسمع أن الله ربنا وملكنا نشعر بقوته ومجده . لكن حينما
نسمع أنه راعينا نشعر بحلاوته ورقته وعنايته . وإذا كان الرب راعىّ فلن أعتاز شئ، بل هو
يرعى حتى شعور رؤوسنا، يسد احتياجاتنا الروحية والمادية ويحمي القطيع من الذئاب
الأعداء الروحيين والجسديين والله دبر لكنيسته رعاة يخدمون شعب ويتشبهون بالراعي
الأعظم ولكنه هو وحده الراعي الكامل الصلاح . الذي يعرف خرافه بأسمائها . ومهما كانت
شدة الضيقة التي أجتازها لن يعوزني شئ . في مرا ٍ ع خضر يربضني = هذه المراعي هي
كلمة الله (الكتاب المقدس ). وهي الكنيسة نتعلم فيها ونسكن فيها ونأخذ من خيراتها . ونلاحظ
أن أرميا وحزقيال ويوحنا الرائي أكلوا كلمة الله فهي مشبعة، والأكل معناه أن نهضم الكلمة
ونختبرها. والتعاليم التي نحصل عليها في الكنيسة هي طعام نقي، أما ما هو خارج الكنيسة
فطعام غير نقي والكنيسة نجد فيها أشهى مائدة جسد الرب ودمه إلى مياه الراحة يوردني =
الراعي هو الذي يقود القطيع ليشرب ويرتوي من ينابيع الروح القدس
. وهذا ما كنا نحصل
عليه إلا بعد أن قدم الراعي نفسه عنا على الص ليب
(مز ٢٢ ) يو ٣٧:٧،٣٨ هذا الماء يروي
الشجرة المغروسة على مجاري المياه
. والروح القدس هو معطي النعمة لكل مؤمن خلال
الأسرار بدءًا بماء المعمودية
.
الآيات
( ٣،٤ ): "يرد نفسي يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه أيضًا إذا سرت في وادي ظل
الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي
. عصاك وعكازك هما يعزيانني."
هنا نجد المسيح هو الطريق والقائد في هذا الطريق
. ليرد النفوس التائهة إلى الكنيسة بيت
الآب
كما عاد الابن الضال لبيت أبيه، وحينما نبتعد يدفعنا الروح القدس لنعود . وهذه
العطايا ليست من أجل استحقاقنا لكن من أجل اسمه والرب رسم لن ا طريقًا ضيقًا، لكنه هو
الذي يقودنا
. بل يستخدم الله بعض التجارب والآلام ليردنا للطريق أن لم نسمع لصوت
التعزيات
. وما هي سبل البر إلا بر المسيح فهو يقودني إلى ذاته بكونه الطريق الأ م ن الذي
يحملنا بروحه القدوس إلى حضن الآب
. بل من يثبت في المسيح الطريق لا يخاف الموت فهو
ذاقه لأجلنا من قبل ويعرف طريق الخروج منه بالقيامة
. ولن نخاف مادام معنا لأنه سيأخذنا
معه إلى طريق القيامة، بل لن نخاف من أي ألم فهو قد إجتاز أصعب آلام وهي آلام الصليب
وخرج منها منتصرً ا
. إذا سرت في وادي ظل الموت = وادي ظل الموت هو هذه الحياة
بحروبها وضيقاتها، وآخر عدو لنا وأصعب ضيقة هي الموت، ولكنه يسميه هنا ظل الموت،
فلم يَعُ د للموت سلطان علينا لم يَعُ د الموت موت أبدى، بل هو انتقال
"من آمن بي ولو مات
فسيحيا
". عصاك وعكازك هما يعزيانني = الراعي يستخدم العصا في طرد الحيوانات
المفترسة بعيدًا عن قطيعه ، والعكاز ليستند عليه وبه يضرب الخروف الجامح الذي يحاول
الهروب وهذا يشير لتأديب الأبوة الحانية الحازمة
. وهذا ما يعزينا أنه لا يتركنا نبتعد فنتوه .
فعصاته هذه تحمينا من الذئاب الخارجية والذئاب الداخلية
ميولنا المنحرفة وراء شهوات
الجسد
الآيات
( ٥،٦ ): "ترتب قدامي مائدة تجاه مضايقي . مسحت بالدهن رأسي . كأسي ريا . إنما
خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام
."
هنا نجد المسيح الصديق المضيف، الذي أعد وليمة بذبيحة نفسه ليشبعني ويهبني فرحً ا
. لقد
وجد راعينا أن عدونا قائم ضدنا فأعد هو بنفسه ال مائدة لنجلس ونأكل دون أن نخاف العدو
الذي يطرق أبوابنا
. وكما أعد الله المن لشعبه طعامًا في رحلة غربتهم أعد لنا مائدة التناول
في رحلة غربتنا
. فالأعداء حاولوا إعاقة رحلتنا إلى السماء مسكننا الإلهي، فأعطانا راعينا
جسده نثبت فيه حتى نصل إلى مسكننا
. ونلاحظ أن الله أعطى المن لشعبه بعد الخروج،
والمسيح أعطانا جسده بعد أن حررنا بصليبه من عبودية إبليس مسحت بالدهن رأسي
= إشارة
لسر الميرون وبه نصير مسكنا للروح؟ ومن ثماره الفرح الذي ملأ كأسي فإرتويت من محبة
الرب
(الخمر رمز للفرح). فقديمًا كانوا في الحزن يلبسون المسوح ويجلسون في الرماد. وفي
الفرح يدهنون بالزيت
. وكان مسح الضيف بالزيت علامة تكريم وكأن المسيح يستضيفنا على
مائدة ويدهنا بزيت ليفرحنا ويخزي أعدائنا لمحبته لنا
. ونلاحظ أن الراعي يحمل معه زيتًا
لترطيب جراحات قطيعه
. وأما الكأس للرعية فهي كتلة حجرية منحوتة ومجوفة يملأه ا
الراعي بالمياه العذبة كل اليوم ليشرب القطيع والراعي يملأها دائمًا حتى تفيض، فيبرد الماء
المنسكب جدرانها
= كأس ريا = أي مروية وفي هذا إشارة للبركات والتعزيات الدائمة . وهذه
التعزيات والبركات نأخذها من داخل الكنيسة
= مسكني في بيت الرب مدى الأيام . ونجد في
٣
وقوله مدى - مثل ن اثان النبي لداود أن الحمل هنا سكن في بيت الراعي ٢صم ١:١٣
الأيام يشير لسكنانا هنا وفي الأبدية في بيت الرب
.
ونصلي هذا المزمور في الساعة الثالثة، التي نذكر فيها صدور الحكم على
مخلصنا الراعي الصالح في وادي الموت، ويعطينا الروح القدس بمسحته
في مثل هذه الساعة
.