غنى النعمة ووافر السلام لكم يا أحباء ربنا يسوع المسيح
أردت أن نتحدث سوياً عن سرّ الكتاب المقدس ، والذي هو عينه سرّ تجلي الله وظهوره ومعاملته معنا ، وبخاصة في تجسده العجيب ، هذا السر الذي أعثر الكثيرين وبخاصة الذين يقيسون أمور الله بالعقل والتعقل ويخضعوها للفكر ويقوما بفحصها فيقعون فريسة لنظرية المعقول و الغير معقول ، ويخضعوا عمل الله لفكر العقل ، فيتجهون للتفسير الحرّ للكتاب المقدس دون الدخول لعمق سرّ الله بإلهام الروح القدس ، بالإيمان والمحبة !!!
وأصبحوا – بلا وعي روحي أو إدراك – يكتشفون كلمة الله وهي خاضعة لتفكيرهم الحر وظنهم الخاص ، ووضعها تحت فحصهم العقلي ، وما درسوه من معطيات المنطق ، فيخرجون بما هو معقول ويتناسب مع فكرهم الخاص !!!
فمعقول أن الله اتحد بنا اتحاد حقيقي ، ومعقول أن الإنسان يكون له شركة مع الله في المسيح !!! أي يكون أهلاً للحياة مع الله في شركة المحبة ، هذا غير معقول ، وهل من المعقول أن نأكل جسد الرب ودمه المتحد بلاهوته ، هذا غير معقول بالمرة !!!
وقد ذهب البعض بالرمزية لجسد الرب ودمه ، والبعض الآخر أنه – حينما نتناوله – فهو يكون ناسوت فقط ، والبعض الآخر أنه مجرد ذكرى ، معتمداً على الترجمة باللغة العربية ومؤكداً عليها ... الخ
هذا يجعلنا نرى الليل الذي غشى القلوب مثلما أتى نيقوديموس ليلاً ليتكلم مع الكلمة المتجسد المتحد اتحاد حقيقي بطبعنا الإنساني ، وبدأ نيقوديموس بحديث معقول لا ريب فيه :
" يا معلم ، نعلم أنك أتيت من الله معلماً ، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه " ( يو 3 : 2 )
بالرغم من هذا الحديث المعقول والمرتب والمقنع للعقل جداً ، والذي يظهر أنه من غير المعقول أن يصنع أحد هذه الآيات إن لم يكن الله معه !!!
ولكن شخص ربنا يسوع المسيح الكلمة المتجسد صعق نيقوديموس بحديث وكلمات غير معقولة بالمرة بل ومنافية للعقل تماماً :
" أجاب يسوع وقال له :
الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله " ( يو3 : 3 )
وبالطبع أتصدم نيقوديموس صدمة عقلية شلت كل تفكيره فرد بتهكم على كلمات الرب يسوع كمصدوم بالحديث قائلاً :
" قال له نيقوديموس : كيف يُمكن للإنسان أن يولد وهو شيخ ؟ ألَعَلّةُ يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد ؟ " ( يو3 : 4 )
فلنلاحظ عدم استساغة نيقوديموس للكلام وتهكمه على المعنى ، أو ربما حاول أن يفهم ، لأنه يبدو كلام الرب انه غير معقول تماماً ومنافي لكل عقل ومنطق ولا يقبل أبداً على مستوى الفحص والخضوع للفلسفة والمناقشات الفكرية
ورد ربنا يسوع عليه موضحاً الإجابة على سؤاله :
" أجاب يسوع : الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله . المولود من الجسد جسدِ هوَّ ، والمولود من الروح هو روح . لا تتعجب إني قلت لك : ينبغي أن تولدوا من فوق . الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها ، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب . هكذا كل من ولد من الروح " ( بو3 : 5 )
بالرغم من الرب قال له لا تتعجب ، فلازال يتعجب ويندهش ويرجع مرة أخرى للغير معقول ويرد عليه قائلاً :
" أجاب نيقوديموس وقال له : " كيف يمكن أن يكون هذا ؟ " ( يو3 : 9 )
أليس هذا هو نفس كلماتنا حينما نعجز أمام سر الله واتحاده بنا ونحاول أن نُمنطق كلمات الله ونحور الآيات لنخضعها للمعقول وننفي منها الغير معقول !!!
ولكن سيظل ، في كل جيل ، وعلى مر العصور ، كلام المسيح ذات سلطان فقد هدم نظرية المعقول والفحص العقلي القاصر على العجز البشري قائلاً :
" أجاب يسوع وقال : " أنت معلم إسرائيل ولا تعلم هذا !
الحق الحق أقول لك : إننا نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ، ولستم تقبلون شهادتنا . إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون ، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات ؟ وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء .....
وهذه هي الدينونة : أن النور قد جاء إلى العالم ، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور ، لأن أعمالهم كانت شريرة ... " ( رجاء مراجعة يوحنا 3 : 1 إلى 21 وذلك للأهمية )
عموماً نجد القديس بولس الرسول ، الذي تشرب من الرب يسوع لا منطق العقل إنما حياة الروح ، صدم العالم كله بكلماته النارية وعصف بكل عقل يطلب المعقول وينفي الغير معقول ولا يقبله :
" وأنا لما أتيت إليكم أيها الإخوة ، أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة منادياً لكم بشهادة الله ... وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المُقنع ( المعقول ) بل ببرهان الروح والقوة ، لكي لا يكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله " ( راجع 1كو 2 : 1 – 19 ) وذلك للأهمية
واختم هذا الكلمات الصغيرة ، والتي أتركها تصير نور لكل نفس تطلب معرفة أسرار الله ، وأترك المساحة لله وحده أن يكشف مقصده الحلو بعمق وأصالة عمل النعمة في القلب بإشراق نور المسيح الحلو ، بكلمة للقديس كيرلس الكبير عامود الدين :
[ إن كيفية الاتحاد عميقة وفائقة الوصف وفائقة لمداركنا .
فمن الجهالة التامة أن نُخضع للبحث العقلي ما يفوق العقل وأن نحاول أن نُدرك بعقولنا الذي لا يُدرك بالعقل . أم لست تعلم أن ذلك السرّ العميق ينبغي أن يُعبد بإيمان بلا فحص !
أما السؤال الجاهل " كيف يُمكن أن يكون هذا ؟ فإننا نتركه لنيقوديموس وأمثاله .
أما نحن فإننا نقبل بدون تردد أقوال روح الله ونثق أن المسيح القائل :
" الحق الحق أقول لكم : إننا نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا " ( عن تجسد الابن الوحيد للقديس كيرلس الكبير ]