الطبع العدواني
للبابا شنوده الثالث
تختلف طباع الناس، فيوجد منها الطبع الهادئ الوديع الذي يبعد عن المشاكل، أو يتعامل معها بهدوء ورقة. وهو بطبيعته لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته، ويكون طويل البال، وكثير الاحتمال، ودمثاً في تعامله، لا يسئ إلى أحد. وإن أساء إليه الغير، لا ينتقم لنفسه، ولا يثور ولا يضج.
«« وعكس ذلك نوع آخر من الطباع، هو الطبع العدواني، أو الناري أو الهجومي. ويسمونه بالإنجليزية Aggressive. وهذا الطبع قد يوجد عند بعض القادة، أو بعض الشعوب، أو يتصف به بعض الأفراد. وقد يوجد أيضاً في محيط الأسرة.
فمن القادة وُجِد هذا الطبع عند هتلر الزعيم الألماني النازي، وعند كثير من قادة الجيوش الذين أطلقوا عليهم لقب " مجرمي الحرب ". والبعض يعتبر أن شاوشيسكي في رومانيا كان من هذا النوع أيضاً، وكذلك منجستو في أثيوبيا، وغيرهم ...
«« وفي العائلات قد يتصف رب الأسرة أحياناً بالطبع العدواني، فيُعامل أفراد أسرته بقسوة، فتشعر زوجته بأنها سجينة في البيت، بأوامر مُشددة يلقيها من جهة خروجها ودخولها، ولقائها بالآخرين. وهو يظن بذلك أنه يحافظ على عفَّتها!! كما أنَّ رب الأسرة هذه يكون عنيفاً مع أولاده، يُحطِّم شخصياتهم بمعاملته لهم حتى أنهم يشتاقون إلى صدر حنون خارج البيت يستريحون إليه. وبهذا قد يقودهم أحياناً إلى الإنحراف! وهكذا بطبعه العدواني يصل إلى عكس ما يريد في تربيتهم. وهو يظن ذلك حزماً...
«« الطبع الناري، ربما يولد الإنسان به، سواء من جهة الوراثة، أو لأسباب طبية أخرى. وبهذا يكون مثل هذا الطفل عدوانياً من صغره، يكسر ويخرّب، ويعتدي على أطفال آخرين، ويسلك بعصبية واضحة.
وقد يكتسب الشخص هذا الطبع الناري من البيئة، من أصدقاء عنفاء يقلِّدهم، أو من رؤية بعض أفلام العنف، أو قراءة قصص من هذا النوع. ويظن أن العدوان لون من قوة الشخصية فيسلك في هذا الطريق. ورُبَّما أثناء دراسته يصير تلميذاً مشاكساً في الفصل، ويريد أن تكون صورته واضحة ومميزة بين زملائه.. ولا مانع من أن يستخدم الأسلوب العدواني مع أساتذته، إن طلبوا منه حفظ النظام، أو وبَّخوه على خطأ ارتكبه، أو إن منعوه من الغش في الامتحان! حينئذ يبدو طبعه العدواني.
«« والطبع العدواني على أنواع ودرجات: منه العدوان باليد، مثل الضرب أو الصفع أو الركل. ومنه العدوان باللسان مثل الشتيمة والإهانة والتَّهكُّم والإزدراء. ومنه الإهانة بالقلم، أي بالكتابة والنشر، حيث يتحوَّل القلم إلى شعلة، تتهم أو تجرح السمعة، أو تصل العدوانية في تطورها إلى التشهير. ورُبَّما يُسبِّب كل هذا عداوات للعدواني.
«« الشخص العدواني دائماً يحارب ويعارك، ولا يهدأ أبداً. وتجده دائماً متحفِّزاً مستعداً للهجوم. إن تكلَّمت معه، يبحث عن خطأ في كلامك لكي يرد عليه. بل إنه يكون مستعداً للرد قبل أن تتكلَّم! والحوار معه يتحوَّل إلى شجار، ويعلو فيه الصوت، وكأنه مع مَن يحاوره في معركة.
«« إنه يريد باستمرار أن ينتصر، ولو بالعنف.. الذات عنده هى المسيطرة عليه. ويود بها أن يُسيطر على غيره. إنه يكره الوداعة، ويعتبرها طراوة في الطبع. ولا يحب الرقة واللطف. ويلجأ باستمرار إلى الحدة والعنف، شاعراً أن ذلك هو الأسلوب السليم الوحيد، الذي يصل به إلى ما يريد. ويحاول أن يُغطِّي حدته بمدح الحزم والجدية. والجدية في مفهومه تحمل الشدة في التعبير وأحياناً ملامح العبوسة!
«« والطبع العدواني على نوعين: أحدهما حاد المزاج عصبي التَّصرُّف، يغضب بسرعة، ويثور ويحتد، ويعلو صوته ويهاجم. والنوع الآخر يكون عنيفاً في تصرفه، مع غلاف من الهدوء وبرود مستفز. مثال ذلك: مدير أية مصلحة، يصدر قراراً عنيفاً جداً، دون أن يثور أو يصيح...
«« والإنسان العدواني قد يكون سوداوي الطبع، له النظرة السوداء، والعين النقاد، والفكر الذي يميل إلى إظهار سوءات غيره. واللسان العنيف الألفاظ، الذي تشبه كلماته رجم الطوب. وهو باستمرار يتوقَّع الشر والخطأ من الناس. ومن الصعب عليه أن يثق بأحد. أو أن يمدح أحداً. وإن مدح أحداً، فلسياسة مُعيَّنة، أو ليهاجم به غيره. كما أنه سرعان ما ينقلب ويهاجم.
«« والذي له طبع عدواني، يكون بعيداً تماماً عن الاتضاع. لا يستطيع أن يخضع لرئيس أو مرشد. بل قد يهاجم الرؤساء ومَن هم في موقف الإرشاد إن خالفوا أسلوبه أو إن انتقدوه. وفي نفس الوقت الذي لا يخضع فيه لأحد، يطالب غيره أن يخضعوا له، وإلاَّ فإنه يهاجم.
«« العدواني قد يكون كذلك بمفرده، أو قد يكوِّن حوله مجموعة بنفس أسلوبه، يشكِّلون مافيا عدوانية. وقد يختلف مع بعضهم، فيصير عدوانياً ضد مَن يخالفه، لأن من طبعه أنه لا يعالج الأمور بالروية والهدوء، بل بالعنف. حقاً إن التعامل مع الشخص العدواني ليس سهلاً...
«« الشخص العدواني يثير الجو من حوله، يكهربه. وقد يثير مشكلة حيث لا توجد مشكلة، بل هو يفتعلها، أو أنه يعتمد في ذلك على شائعات غير سليمة. أو أنه يثير مشكلة حول موضوع لم يدرسه بدقة. أو أنه يسرع في عرض مشكلة قبل أن يسبقه غيره في عرضها، حتى لو كانت بلا أساس! ولكن شهوة الظهور بمظهر البطولة والقوة تدفعه إلى ذلك. وعلى أيَّة الحالات، إن عرض المشكلة، يحاول جاهداً أن يطيل زمنها، حتى ترشح في الذهان، فينال بها شهرة!
«« وبعض العدوانيين، قد يفسرون سلوكهم بأنه دفاع عن الحق، بينما لا يكون الحق فيما يدافعون عنه. كما أن الذي يدافع عن الحق، ينبغي أن يدافع بطريقة حقانية بعيدة عن الأخطاء، وعن التطرف في الكلام أو المبالغة، وأيضاً يكون أسلوبه بعيداً عن التشهير والتجريح. ولا يحاول تضخيم الأمور، أو أن يجعل من الحبة قبة كما يقول المَثَل.
«« والشخص العدواني قد يلجأ إلى العنف، لسبب عام يقول إنه يدافع عنه، أو لسبب خاص مثل أولئك الذين يلجأون إلى العنف بسبب الانتقام أو الأخذ بالثأر، أو حسداً لمنافسين لهم ويريدون الحط من قدرهم.
عموماً، الإنسان العدواني لا يُبالي بشعور غيره. ولذلك فهو غير محبوب، لأن عنفه منفر وغير